Friday, November 11, 2011

رامي ... أم كلثوم ... عبد الوهاب ... واللقاء اليتيم

الشاعر احمد رامي
كان رامي مدلها بحب أم كلثوم , ولكن هذا لم يمنع أن العديد من قصائده ذهبت إلى منافسها الأوحد محمد عبدالوهاب. هنالك وقائع كثيرة في حياة أم كلثوم , الشخصية والفنية, تدفع إلى الاعتقاد بأن أحمد رامي كان شاعر أم كلثوم وحدها, وكان أبعد شعراء الأغاني عن منافسها التاريخي محمد عبدالوهاب. أهم هذه الوقائع, في حياتها الشخصية, قصة عاطفة الحب الغريبة, التي جمعت بين رامي وأم كلثوم , وهي وإن لم تدفعهما إلى الزواج, كما يعرف الجميع, فإنها كانت في طليعة الأسباب التي دفعت أحمد رامي, الشاب المتفتح العائد من باريس, إلى التحوّل عن نظم الشعر بالعربية الفصحى "كتب له أحمد شوقي مقدمة أحد دواوينه الشعرية", إلى احتراف نظم الأغاني بالعامية المصرية الراقية. أما أهم هذه الوقائع في حياتها الفنية, فالإحصاء الذي يقول إن ما بين ثلاثين وأربعين بالمائة, من أغنيات أم كلثوم , نظمها أحمد رامي. لقد أدى كل ذلك إلى بث الاعتقاد بأن اللقاء بين شعر رامي الغنائي, وألحان عبدالوهاب, لم يتم أبدًا, أو أنه كان قليلاً, إلى درجة الندرة، إلا أن حقائق تاريخ الحياة الفنية لكل من رامي وعبدالوهاب تشير إلى عكس ذلك تمامًا, حتى أن الأرجح أن لقاء شعر رامي بألحان عبدالوهاب قد سبق قليلاً لقاء رامي التاريخي بأم كلثوم , وأنه كان لقاء وثيقًا طوال عقد الثلاثينيات, قبل أن ينقطع حبله في منتصف الأربعينيات, حيث لم يلحن عبدالوهاب بعد ذلك من أشعار رامي سوى مرتين, مرة لصوته, في آخر أغنية اعتزل بعدها رسميًا, ومرة لصوت أم كلثوم , كما سنرى في الجزء الأخير من هذا المقال.
فإذا كانت أقدم أغنيات أم كلثوم , من أشعار رامي يعود تاريخ تسجيلها على أسطوانة إلى العام 1924 "قصيدة الصب تفضحه عيونه, ألحان الشيخ أبو العلا محمد", فإن رصيد عبدالوهاب في الأسطوانات المسجلة يؤكد أنه سجل من أشعار رامي أغنية (مانيش بحبك), بالعامية المصرية, في العام 1923, وأغنية (غاير من اللي هواكي), في العام نفسه, وقصيدة (وطاولت حيل الهجر), ثم قصيدة عبدالوهاب الشهيرة (على غصون البان), في العام نفسه, وأغنية (سكت ليه يا لساني) (على شكل مونولوج) الشهيرة أيضًا, في العام 1931

عبدالوهاب والسينما
وما إن دخل محمد عبدالوهاب, عالم إنتاج الأفلام الغنائية في العام 1935 بفيلم الوردة البيضاء, قبل أم كلثوم بسنتين كاملتين (دشّن طلعت حرب ستوديو مصر, بإنتاج فيلم وداد لأم كلثوم في العام 1935), ما إن دخل عبدالوهاب عالم إنتاج الأفلام الغنائية بمعدل فيلم واحد, كل سنتين, حتى تخصص أحمد رامي بكتابة كلمات أغنيات عبدالوهاب في أفلامه الأربعة الأولى: الوردة البيضاء  1933دموع الحب (1935) يحيا الحب, مع ليلى مراد (1937), يوم سعيد, بمشاركة صوت أسمهان دون صورتها (1939).
ولم ينقطع حبل هذا اللقاء الفني بين شعر رامي ولحن عبدالوهاب وحنجرته عدا ثلاث أغنيات في فيلم عبدالوهاب قبل الأخير رصاصة في القلب في العام  1944إلا عندما ظهر الشاعر الغنائي الناشئ في ذلك الوقت, حسين السيد, فكتب له كلام آخر أغنيات فيلم (يوم سعيد): اجري اجري, الشهيرة.
وحتى نضع أيدينا على قيمة هذا التعاون الفني بين رامي وعبدالوهاب, الذي امتد طوال عقد الثلاثينيات, فإننا نلاحظ أنه يتجاوز المعلومة الإحصائية التي تقول إنه تعاون شمل أغنيات أربعا من أفلام عبدالوهاب, يتجاوز هذه المعلومة الإحصائية, إذا عرفنا أن إنتاج محمد عبدالوهاب الفني في عقد الثلاثينيات, قد انحصر في أفلامه الأربعة الأولى, لأسباب منطقية عدة أهمها أن عبدالوهاب, بعد قراره الجريء في ذلك الوقت بالمغامرة برصيده الموسيقي والغنائي الكبير في ميدان فني جديد, في الدنيا كلها, في ذلك الوقت, وليس في مصر والبلاد العربية وحدها, قد تحول إلى رائد سينمائي حقيقي, تحولت أفلامه, كما يؤكد تاريخ السينما العربية, إلى المصدر الأول لتكوين ظاهرة جماهير السينما, في مصر أولا, ثم في بقية البلاد العربية, هذا الأمر, دفع عبدالوهاب, في عقد الثلاثينيات بالذات, إلى تركيز نشاطه الموسيقي والغنائي, في سلسلة أفلامه الأربعة الأولى التي تخصص رامي, كما قلنا, في كتابة نصوص أغنياتها 

رامي والست وقصب

تعاون مبكر
غير أن تلك لم تكن القيمة الوحيدة لذلك التعاون الفني المبكر بين رامي وعبدالوهاب. فريادة عبدالوهاب في المجال السينمائي. لم تتجسّد فقط في تدشين عصر الجماهير العربية الغفيرة, التي تقبل على مشاهدة الفن السينمائي الوليد, بل تجاوزت ذلك إلى ابتكار ألوان جديدة, في الموسيقى والغناء العربيين, كان لابد لها من أن تختلف تمامًا عن ألوان الموسيقى والغناء التي تقدم في حفلات الطرب, وكانت تقدم بديلاً تاريخيًا للغناء المسرحي العربي, الذي ازدهر مع سلامة حجازي, وبلغ ذروة تطوّره بعد ذلك مع سيد درويش, حتى قيل إن الأغنية السينمائية, جاءت, بحكم تحول الظروف الاجتماعية والاقتصادية والفنية, بديلاً عصريًا لأغنية المسرح الغنائي, الذي تراجع في عقد الثلاثينيات أمام زحف السينما, حتى توقف.
هذه الخصائص الفنية الجديدة, كانت تفرض على عبدالوهاب, كرائد للأغنية السينمائية, وهو الذي جرّب قبل ذلك كل الألوان الموسيقية والغنائية المتداولة, بما في ذلك التلحين للمسرح الغنائي, كانت تفرض عليه العمل مع شاعر غنائي. يستطيع التفاهم معه حول أساليب جديدة للشعر الغنائي, تناسب الطبيعة الفنية للمشاهد السينمائية, بحد ذاتها, وعلاقة هذه المشاهد, بالسياق العام لسيناريو الفيلم الغنائي.
ولعل هذا الاضطرار المنطقي للابتكار الفني المطلوب في الشكل الشعري والشكل الموسيقي الجديد المطلوب للأغنية السينمائية, هو الذي جعل عقد الثلاثينيات لدى عبدالوهاب, عقد تركيز كل فنه الموسيقي والغنائي, في السينما الغنائية, وعقد تركيزه على التعاون مع شاعرية أحمد رامي.
إذن, إذا صح القول إن رامي, بشكل عام, كان شاعر أم كلثوم , يصح القول أيضًا, إن رامي, في عقد الثلاثينيات, بالذات, كان شاعر محمد عبدالوهاب أيضًا.

وهنا, لابد من ذكر معلومة تاريخية مهمة أخرى, تؤكد أن العلاقة بين رامي وعبدالوهاب, في العشرينيات والثلاثينيات, قد تجاوزت العمل الفني, إلى الصداقة الإنسانية الشخصية, ذلك أن عبدالوهاب يؤكد في أكثر من مقطع من مذكراته الموزعة بين الكتابة وأشرطة الكاسيت واللقاء التلفزيوني المطوّل مع الأديب الكبير سعد الدين وهبة (النهر الخالد) أن رامي كان لفترة طويلة من شبابهما الأول, صديقه ونديمه المفضل, وأنهما لم يفترقا, إلا عندما تفرّغ رامي لأم كلثوم شخصيًا وفنيًا (على حد قول عبدالوهاب نفسه)

لقاءات متقطعة
بعد ذلك, يشهد تاريخ الفنانين الكبيرين, لقاء سينمائيًا آخر, في فيلم عبدالوهاب قبل الأخير رصاصة في القلب, 1944, أنضج أفلام عبدالوهاب سينمائيًا, الذي تعاون فيه مع صديقه الآخر, الأديب الكبير توفيق الحكيم, حيث استند سيناريو الفيلم إلى مسرحية بقلم هذا الأخير, أعيد تقديمها بنصها المسرحي الأصلي في القاهرة في السنوات الأخيرة.
اللافت للنظر, أن عبدالوهاب, بعد أن انقطع تمامًا عن التعامل مع رامي في فيلمه الخامس (ممنوع الحب) (1942), عاد إلى رامي, لسبب وجيه جدًا, وهو أنه وجد نفسه عند إعداد ألحان الفيلم الجديد, ضعيفًا أمام لحنين كان قد أعدهما لمسرحية مجنون ليلى (لأحمد شوقي) التي بقي عبدالوهاب يتابع تلحينها حتى آخر أيامه, دون أن يظهر منها للملأ, إلا الألحان السابقة المعروفة آخرها, قصيدة جبل التوباد, في مطلع الخمسينيات المهم, أن هذين اللحنين, كانا قد وضعا لمقطعين شعريين في مسرحية أحمد شوقي, وكانت استعارتهما لفيلم رصاصة في القلب, تفرض البحث عن كلام جديد, ينطبق على الجو العام للحنين من جهة, ويكون بالعامية المصرية الراقية من جهة ثانية, ويبدو أن عبدالوهاب لم يجد خيرًا من صديقه القديم أحمد رامي للقيام بهذه المهمة المعقدة. وبالفعل فقد كانت الأغنيتان من أروع ما قدم عبدالوهاب في فيلمه السادس, رصاصة في القلب: مشغول بغيري وحبيته, وحنانك بي يا ربي, إضافة إلى أغنية ثالثة في الفيلم نفسه من شعر رامي: المية تروي العطشان.

بعد ذلك, يبدو أن أحمد رامي قد تفرغ تمامًا لأم كلثوم ) على حد قول محمد عبدالوهاب), وانصرف عبدالوهاب إلى شعراء آخرين, بالفصحى والعامية, حتى أزفت ساعة قرار عبدالوهاب في أوائل الستينيات, باعتزال الغناء مع أوركسترا, والتفرّغ للتلحين, بعد أن شعر بتحوّلات كبرى في أوتاره الصوتية بحكم تقدم العمر, الذي يؤدي عادة إلى اختفاء تدريجي للطبقات العليا من الصوت, مع زيادة الغلظة والعرض, في طبقات الصوت السفلى, فكان أن اختار عبدالوهاب رائعة صديقه القديم رامي (هان الود) بالعامية المصرية, ليصوغ لها لحنًا رائعًا مؤسسًا على مقام البياتي, المفضل لدى عبدالوهاب, في أغنية مؤسسة على معادلة رائعة بين الأصالة والحداثة. وكان ختام المواسم الرسمية لعبدالوهاب المغني, مسكًا بهذه الأغنية 


عبد الوهاب والست

اللقاء الثلاثي
كان من الممكن أن تكون (هان الود) لقاء تاريخيًا أخيرًا, بين شعر رامي, وألحان عبدالوهاب, غير أن القدر كانت له, على ما يبدو, كلمة أخرى, شاءت أن تجمع بين رامي وأم كلثوم وعبدالوهاب, في عمل يتيم.
حتى مطلع الستينيات, كان الكل قد يئس من محاولات يائسة للجمع بين عبدالوهاب الملحن, وأم كلثوم المغنية, كانت أشهرها وأكثرها جديّة, محاولات طلعت باشا حرب, في عقد الثلاثينيات, عندما أسس ستديو مصر, وحاول تدشينه بفيلم سينمائي مشترك بين عبدالوهاب وأم كلثوم , ولم تجد الفكرة سبيلا إلى التنفيذ, بالرغم من جدية طلعت حرب, وإصراره على تكرار المحاولة, أكثر من مرة.
غير أن دورة الزمن, جعلت هذه الرغبة تنتقل إلى جمال عبدالناصر, الذي كان الاستماع إلى عبدالوهاب وأم كلثوم , في شبابه الأول, جزءًا صميمًا في تكوين وجدانه الإنساني العام.


وعندما دقت ساعة اللقاء الأول بين فناني العرب التاريخيين في القرن العشرين: عبدالوهاب وأم كلثوم , استجابة لعوامل كثيرة بينها رغبة عبدالناصر وإلحاحه, كان من حظ الشاعر الغنائي أحمد شفيق كامل, أن يكون شاعر هذا اللقاء التاريخي الأول (أنت عمري), مما يؤكد أن أم كلثوم لم تكن في الغالب مَن اختار شعر الأغنية, لأن أحمد شفيق كامل كان حتى ذلك الوقت خارج إطار مملكتها الغنائية. بينما كان قد كتب أشعارًا وطنية ممتازة ليلحنها عبدالوهاب نشيد الوطن الأكبر الشهير, ومغناة ذكريات, العبقرية, التي لحّنها عبدالوهاب وغناها عبدالحليم حافظ

كذلك, كان اللقاء الثاني بين ألحان عبدالوهاب وحنجرة أم كلثوم , قصيدة وطنية من أروع ما لحّن عبدالوهاب لأم كلثوم وقد تكون الأروع, في رأيي, على باب مصر, وكانت من كلمات صديق عبدالوهاب أيضًا, الشاعر الكبير كامل الشناوي.
ولكن, ما إن دقت ساعة اللقاء الثالث بين عبدالوهاب وأم كلثوم , الذي كان قد تحوّل بعد أنت عمري, لقاء سنويًا ثابتًا, حتى رحيل أم كلثوم , حتى كان شعر أحمد رامي قد دخل حلبة اللقاءات التاريخية بين أم كلثوم وعبدالوهاب.
الغريب في هذا الأمر, أن المنطق كان يفترض أنه مادام الحذر الفني الشديد عند الطرفين, كان أهم أسباب التباعد السابق بينهما, فالأرجح أن يكون شاعرهما المشترك في العشرينيات والثلاثينيات, هو واسطة العقد بينهما. لكن ما حدث, أن رامي تأخر حتى لحّن عبدالوهاب الثالث لأم كلثوم , كما أن انت الحب الرائعة, كانت أول وآخر عمل فني جمع بين رامي وأم كلثوم وعبدالوهاب.
ولا يجوز اختتام أحداث هذا اللقاء اليتيم بين العباقرة الثلاثة, دون الملاحظة, أن امتداد العلاقة الفنية والشخصية بين الثلاثة, عودة إلى عقد العشرينيات, كانت - بلاشك - السبب الأول وراء اتجاه عبدالوهاب (بعد انت عمري) إلى العودة بألحانه لأم كلثوم إلى كلاسيكية رصينة جعلت من (انت الحب) بين أجمل وأقوى ما لحّن لها, وبين أكثر هذه الأعمال تماسكًا في بنائها الفني الشامخ, مع أنها لا تحتل في ذاكرة الجماهير العربية, الموقع الذي تستحق, غير أن غربال التاريخ الفني سيعيد إنصافها, على ما أرجح, ويعيدها إلى موقعها الصحيح بين لقاءات أم كلثوم وعبدالوهاب



بقلم : سليم سحاب 
من مجلة العربي العدد557 - تاريخ 1/4/2005


Tuesday, November 1, 2011

عفواً ... ثلاث أسئلة عن أم كلثوم والأجابة مختلفة ..!



طلت علينا مدونة "مزيكا وبس"  بمقال عن السيدة أم كلثوم تحت عنوان " ثلاث أسئلة  والأجابة واحدة عن أم كلثوم" أسم المقال في الظاهر يبدو عادياً ولكن للأسف أتضح بعد قراءة المقال أن المقال ينطوي علي مغالطات تاريخية وأستنتاجات ليس لها أي أساس في أرض الواقع سوى بعض الظنون ، ثلاث أسئلة طرحها الكاتب علي قراء مدونته ليخرج في ختام المقال وليثبت لقرائه أن للأسئلة الثلاثة أجابة واحدة فقط ..!
 وقبل أن نخوض في إثبات خطأ الأجابة و وقوع الكاتب في كارثة التحيز لابد أن نعرض أولاً الأسئلة التي طرحها الكاتب ونرد علي نقطة نقطة حتي نثبت في النهاية للكاتب أن إجابات أسئلته هي إجابات مختلفة وليست واحدة كما يدعي ..!
السؤال الأول : لماذا لم تغنِّ أمّ كلثوم لحناً واحداً للشيخ سيد درويش؟
يسأل الكاتب لماذا لم تغني أم كلثوم للشيخ سيد درويش رغم ولعها به، ثم يكتب في أخر رده ((هكذا، يجدون المبرر، وهو المولعون بأمّ كلثوم، لوضعها في منزلةٍ واحدةٍ مع الشيخ سيد(( ..  فتبدو الجملة الأخيرة أشبه بالأستعجاب فهو يستنكر أن تقارن أم كلثوم بالشيخ سيد درويش ..! وبعد طرحنا السؤال دعونا نرد عليه :-
أولاً : أرتبطت أم كلثوم ككل أبناء تلك الفترة بالشيخ سيد درويش كمجدد موسيقي كبير له الفضل الأول في كسر الأطار التركي التقليدي والخروج بالموسيقي الشرقية إلي عالمها الرحب الواسع، ولكن برغم فضل الشيخ  سيد الكبير علي الموسيقي إلا أن أم كلثوم منذ صغرها أرتبطت بشخصية وصوت الشيخ أبو العلا محمد الذي أستطاع يتلقف الطفلة أم كلثوم ليهذب صوتها ويعطيها التدريب الصوتي اللازم، إن الصلة التي جمعت أم كلثوم بالشيخ أبو العلا محمد دون أن تجمع أم كلثوم بسيد درويش (أذا أفترضنا أنها لم تلتقي به ولم يمت في أول ليلة لأم كلثوم على المسرح) هو التشابه في التفكير الموسيقي فبرغم أن الشيخ أبو العلا كان معلم سيد درويش إلا أن الشيخ أبو العلا كان يميل إلي مدرسة التقليدية الموسيقية  فهو كان يقدم قصائد موسيقية ذا طابع تقليدي مثل "أرك عصي الدمع" و
"وأفديه أن حفظ الهوي" فكل تلك الأعمال تحمل ذات الصفة التي تربت عليها أم كلثوم منذ طفولتها وهي فكرة التراث ، أما العارفون للشيخ سيد درويش يعلمون جيداً أنه صنع ثورة في التفكير الموسيقي مما كان لا يتناسب مع صوت أم كلثوم لا قلب وقالباً ورغم ذلك كانت أم كلثوم في بدايتها تغني في جلسات الأصدقاء أغاني الشيخ سيد درويش ..!
·       هل أم كلثوم لا تتساوي مع الشيخ سيد دوريش ؟
يبدو أن الأمر أتلبس علي الكاتب فهو لا يفرق بين الشيخ سيد الملحن العظيم وبين الشيخ سيد المؤدي وليس المطرب، ففضل الشيخ سيد علي الموسيقي  لا ينكره جاحد ولكن الشيخ سيد كصوت لا يرتقي لمقام الطرب فهو بشاهدة جميع الموسيقيين ليس بمطرب صاحب صوت وأمكانيات صوتية  ولكنه صوت مميز يجيد الأداء الغنائي .. فكيف يقارن الكاتب أم كلثوم المطربة ذات الأمكانيات الصوتية الرهيبة بسيد درويش الملحن ذو الأمكانيات الموسيقية المتجددة فأي وجه مقارنة بينهما يقصده الكاتب حتي يتم تبرير وضع أم كلثوم في نفس منزلة سيد درويش؟ فسيد ليس بمطرب وأم كلثوم ليست بملحنة ...! 

** السؤال الثاني : لماذا تخلّت أمّ كلثوم عن ألحان القصبجي الرشيقة المميزة لصالح ألحان السنباطي التي تمجّد صوتها ليس أكثر؟

الصورة الوحيدة التي تجمع القصبجي بأم كلثوم بعبد الوهاب
يبدو جلياً الهدف من رد الكاتب علي هذا السؤال هو تقليل دور السنباطي في الموسيقي و جعل ألحانه مجرد أنغام لتمجيد صوت  أم كلثوم ولا أكثر ولا أقل ولكن قبل ان ندافع عن عبقري النغم الشرقى من حق القاريء أن يعرف لماذا هجرت أم كلثوم القصبيجي
موسيقياً ؟
القريب من السيدة أم كلثوم يدرك تمام الأدراك أن ام كلثوم كانت تمقت كلمة فشل مقتاً شديداً خصوصاً بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنية "رق الحبيب" لملحنها محمد القصبيجي ، ففي هذه الفترة كان هناك بزوغ قوي لصوتى "أسمهان" و "ليلي مراد" مع سطوع نجم الأخيرة سينمائياً، فكانت أم كلثوم تخشي أن تسقط في هفوة صغيرة فتقل من مكانتها وتضطر للنزول سلمة لأسفل، وذلك في ظل منافسة قوية خصوصاً في مجال السينما، وقد كان .. فقد دفع القصبيجي بأم كلثوم في فيلم "عايدة" عام 1942 وهو فيلم من النوعية الأوبرلية فكان السقوط المدوي للفيلم صدمة لأم كلثوم، أثرت بعدها أن تبتعد ولو قليلاً عن ألحان القصبجي حتي لو كان لألتقاط الأنفاس، و رضي القصبجي بذلك ودفع بمحلن جديد في فلك أم كلثوم وهو "فريد غصن" الذي لحن لأم كلثوم أغنية "وقفت أودع حبيبي" وكان السقوط الثاني لأم كلثوم التي أتخدت قراراً نهائياً بالبحث عن بديل عن القصبجي الذي بد عليه التخبط من بعد "رق الحبيب" ربما لانشغاله مع مطربين أخرين على رأسهم أسمهان وليلي مراد ورغم ذلك يخبرنا الكاتب أن رق الحبيب كانت أخر عمل قدمه القصبيجي لأم كلثوم عام 1944 وهذا خطأ فرق الحبيب كانت عام 1941 ولم تكن أخر ما لحن القصبيجي لها فبعد ذلك بسبع سنوات عام 1948 عاد القصبيجي ملحناً لأم كلثوم في فيلم فاطمة حيث لحن لها ثلاث أغنيات إلا أن الأحتياج للبديل أشتد  وكان رياض السنباطي هو البدليل المنشود فدخل الحلبة الكلثومية وكان له الغلبة ..!

** لكن لماذا كان للسنباطي الغلبة علي كل محلنين أم كلثوم ؟

أم كلثوم والسنباطي
دون وجل في سوء الحكم كان القصبيجي ملحناً فذاً أضاف للموسيقي الكثير والكثير من التجديد مع أم كلثوم ومع غيرها، لكن السنباطي شيء مختلف فهو الدسامة الموسيقية بعينها فلا يمكن أن تقارن جمل القصبيجي الموسيقية الرشيقة في "مدام تحب بتنكر ليه" او في "أنا قلبي دليلي" أو في "يا طيور" بألحان السنباطي الثقيلة في "جددت حبك ليه" و "ولد الهدي" و "سهران لوحدي" فالسنباطي كان هو اللون الكلثومي الحقيقي الذي قدر علي أستغلال صوت أم كلثوم لأقصي الدرجات فوصل بصوت أم كلثوم إلي أعلي الطبقات الموسيقية والدليل علي هذا  ما فعله معها في قصيدة "ريم على القاع بين البان والعلم" وقصيدة "رباعيات الخيام" فكان القرب بين أم كلثوم والسنباطي لأن أم كلثوم منذ عام 1946 وهي دخلت في طور النضوج وأتجهت إلي عشقها الأول والأخير وهو نهج الغناء القصائدي فكان السنباطي هو الأبرع بدون أدني شك في تلحين القصيدة العربية، لكن العجيب في المقال هو أن الكاتب يبدو لا يعرف حقاً الفرق بين شخصية القصبجي الذي هو عاشق ولهان بالست والسنباطي صاحب الشخصية القوية الدائم المشاكل مع أم كلثوم والمتحفظ دائماً علي تدخلها في تغير الجمل الموسيقية ... فهو في مقاله يخلط بين الأثنين خلطاً شديداً فيظهر السنباطي هو الضعيف والقصبجي هو القوي وهذا الحديث لا يوجد مؤرخ موسيقي واحد أو أحد عاصر هؤلاء ولمح به حتي لو من بعيد وفي النهاية يكفي السنباطي فقط قصيدة الأطلال لتضعه علي عرش القصيدة الشرقية .!

السؤال الثالث: ماذا لم تتعاون أمّ كلثوم مع عبد الوهاب إلا بأمرٍ رئاسي؟ ولماذا كانت مرتعبةً من المقدّمة الموسيقية لـ"إنتَّ عُمري"؟

أم كلثوم وعبد الوهاب في عيد العلم
**  فكرة التعاون بين قطبين الغناء أم كلثوم وعبد الوهاب رغم قدمها ورجوعها لأوساط الثلاثينات إلا أنها لم تتحق إلا في عام 1964 والسبب محصوراً في نقطة واحدة وهي خوف عبد الوهاب من السيطرة الكلثومية ورهبة أم كلثوم من توهيب أغانيها وإضافة اللمسة الغربية في الأغاني وهذا ما حدث فعلاً .... فنجد الكاتب يحدثنا عن رفض أم كلثوم لمقدمة أنت عمري ولكنه إذا كلف خاطره وأستمع الي ذكريات موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عن أنت عمري سيجده يخبرناأنه أخبر الست بوجود الغيتار فخافت وقالت له أن الغيتار مثل العود فقال لا أنه مختلف وأسمعها المقدمة مرة وأثنين وثلاثة حتي وافقت فلم تكن أم كلثوم لديها هذا الخوف الرهيب من موسيقي عبد الوهاب ومن خلال هذا السؤال يصل  الكاتب لأجابة الثلاثة أسئلة حيث يتسأل في نهاية المقال هل كانت أم كلثوم تخشي من الموسيقي الملفتة للنظر في أغانيها ؟
وأنا أرد عليه وأقول له إذا كانت أم كلثوم كانت تخشي لفت نظر الموسيقي وأنت تبرهن لي هذا من خلال رفض غناء أم كلثوم لسيد درويش وقطع علاقتها الموسيقية بالقصبجي وخوفها في البداية من عبد الوهاب وبالأخص في أنت عمري ؟
إذن لما سمحت لبليغ حمدي أن يلحن "ألف ليلة وليلة" وهي أغنية قائمة علي أستعراض موسيقي بحت وكذلك لماذا لم تعترض في "دارت الأيام" وهي بشهادة الجميع هي أستعراض عضلات من عبد الوهاب وكذلك في "ليلة حب" إن حجتك غير مبررة ولهذا أسمحلي يا صديقي الكاتب ودعني أقولك   عفواً ...  أنها ثلاث أسئلة عن أم كلثوم والأجابة تبدو  مختلفة ..!
وهذا هو لينك المقال
http://mazzika-w-bas.blogspot.com/2009/09/blog-post_28.html


كريم جمال