Saturday, December 10, 2011

سر المهندس الذي رافق صوت أم كلثوم


أم كلثوم مع أبن اختها محمد الدسوقي ومحمد حسنين هيكل
كان يتبعها كظلها .. في كل مكان ذهبت اليه كان معها .. وفي كل حفلة أحيتها كان يجلس امامها في الصف الاول .. وفي كل بلد عربي ذهبت اليه كان يرافقها . وفي كل لقاء لها مع اي ضيف كان بجوارها .. وفي كل تسجيلاتها لاغانيها كان يتابعها . فقد كانت تثق فيه .. وتري فيه مثالاً للتعقل والأتزان. لقد كان من حسن حظه أولاً أنه قريب لها و لكن صلة القرابة توطدت فأصحبت صداقة .                
انه محمد الدسوقي رئيس مجلس الهيئة العامة للسينما وابن شقيقة ام كلثوم . تري لماذا اختارته ام كلثوم من بين كل الناس ليكون رفيقها في كل رحلة ذهبت اليها ؟
(( كان من حسن حظي أنني أرتبطت بأم كلثوم برباط عائلي ولكن هذا الرباط تحول بمرور الوقت إلي شيء أخر هو في نظري أعمق و أبقي . فقد أصبحت تلميذاً لأم كلثوم ثم صديقاً لها .. فأنا تلميذ في مدرستها تعلمت منها الكثير لان هذه الشخصية لم تكن مجرد مطربة كبيرة احتلت مكانا في حياتنا الفنية  خلال عشرات السنين ولكنها كانت ايضا شخصية انسانية مليئة بالعمق و الصفاء والنظرات الصائبة الي امور الحياة ولذلك تصرفاتها ومواقفها واعتزازها بفنها وحرصها علي كرامتها .. هذا الاشياء في نظري كانت تطربني كما تطربني ام كلثوم ..!
بهذا بدأ محمد الدسوقي حديثه معي
·      ولماذا أختارتك أم كلثوم  وكيف تطورت العلاقة الي ان اصبحت كما كانت عليه ؟
لقد جاءت العلاقة بيننا في البداية نتيجة تخرجي من كلية الهندسة و تخصصي في الصوت والكهرباء والاجهزة الالكترونية وقدمت طلبا لكي اعين في شركة ماركوني ولم اكن اعرف انها انضمت إلي الاذاعة ومن هنا كان السبب الحقيقي لأكون  بجانب أم كلثوم في حضور تسجيلاتها بأعتباري مهندس صوت و تطورت العلاقة بوجودي بلقد بدأت بالاشراف علي تسجيلات الصوت الي الاشتراك في قراءة الكلمات الي حضور البروفات وتسجيل اللحن وكان هذا شيئاً جميلاً بالنسبة لي فمن من محبي فن ام كلثوم لا يتمني ان يحضر ولادة عمل فني جديد لها.
ان  ام كلثوم كانت انسانة دقيقة جدا في عملها . تحرص كل الحرص علي ان تكون اجهزة الاذاعة علي مستوي جيد جدا
اما في البروفات فتظل تعمل بروفات ولا يهم عدد البروفات حتي تصل الي مستوي الكمال ولا مانع عندها من ان تذهب لعمل بروفة علي الاجهزة في المسرح ومع الموسيقيين فلا اجهزة تتعطل في حفلة ام كلثوم ولا صوت نشاز فهناك اجهزة احتياطية
اما الفستان فيكون علي مستوي جميل وراق من ناحية الذوق واللون المناسب ثم تأتي المجوهرات المناسبة اما الاضاءة فهي تحب ان تكون مضبوطة تماماً
وكانت ام كلثوم تهتم باول حفلة مع بداية الموسم هذه الحفلة توليها اهتمامها وكانت ترفض ان يصورها التلفزيون في هذه الحفلة فلم تكن تريد ان تشغل او يشغل جمهورها باضواء التلفزيون التي كانت تضايقها وقد تسمح للتلفزيون بالتسجيل في تاني لحفلة او ثالث حفلة
كنت أعلم جيدأ أن أغاني ام كلثوم تراث فني وكنت احرص دائماً علي ان ألفت نظرها لتسجيل كل حفلاتها ولتسجيل الاغنية الواحدة اكثر من مرة
وكانت قبل ذلك تقتصر علي ان تسجيل حفلات الاذاعة فقط ولكن الذي اوحي لي بذلك هو اخوننا العرب الذين كانوا يحدودون الاغنية ويحفظونها في كل حفلة والاغنية الواحدة تختلف من حفلة الي حفلة اخري
·      ومتي بدأت تسجل كل أغانيها ؟
منذ عام 1960 او قبل ذلك بقليل ولذلك سنجد في الاذاعة ثروة فنية كبيرة وستجد اربعة او خمسة تسجيلات للاغنية الواحدة ولام كلثوم في كل تسجيل لون جديد وطعم جديد
·      وقدمت فنها للشباب .!
أما بالنسبة للحن فقد كانت تجلس مع الملحن والفرقة الموسيقية أوقات طويلة جدا .. وقد يستمر اللحن حتي يخرج الي الوجود اكثر من ستة شهور .. قالوا لها يوما ألا يوجد من يكتب لك ويلحن سوي رامي والسنباطي ؟ فقالت علي الفور : انا علي استعداد ان اغني لاغر مؤلف اذا قدم لي كلاما يعجبني كما اني علي استعداد ايضا بان اقبل اي لح اذا اعجبني .. وهنا قدمت ام كلثوم فنها للشباب 

·      تنظر من وراء الستار ..!
أما بالنسبة للحفلات العادية فلم تكن ام كلثوم تجري اي بروفات .. وعندما أسالها ماذا ستغنين ؟
تقول : لا أعرف
اقول : ماذا ستفعلين
تقول : أيضا لا اعرف أنني أنظر من وراء الستارة لأتطلع إلي جمهوري .. ثم أقرر ماذا سأغني له .. لانني أعرف دون أن يقول ماذا يريده مني ..!
كانت أم كلثوم بشخصيتها الخارقة تستطيع أن تعرف ماذا يريد منها وتعرف كيف ترضي جمهورها ..!
تنظر من خلف الستارة لتعرف ماذا ستغني

·      عندما غنت لأربعة ألاف شخص بدون ميكرفون ..!
·      هل تذكر مأزق أو  أشياء غير عادية حدثت لأم كلثوم في حفلاتها في هذه البلاد ؟
    أذكر ذلك في حفلة لبنان التي أقيمت في (منطقة بسين) وكان متعد الحفلة قد باع التاكر رتين أي أن عدد الحضور كان الضعف وحدث هرج ومرج واتعطلت الحفلة ساعة بسبب زحام السيارات بالخارج ... وكانت الحفلة تضم أربعة ألاف شخص ووقفت أم كلثوم لتغني فأنقطع التيار الكهربائي ولم تهتز أم كلثوم لهذا الشيء و أنما نحت الميكرفون جانباً فما ذنب الجمهور الذي جاء ليستمع اليها انه ذنب متعهد الحفلة الذي رفضت ا كلثوم بعد ذلك التعاقد معه
·      وفي باريس ؟
كانت رحلة من رحلات المجد انتقلت فيها ام كلثوم من قمة الي قمة .. ومن مجد الي مجد حتي وصلت الي ذروة الشهرة والمجد .. أن حفلة  باريس لها قصة فعندما جاء صاحب مسرح الأولمبيا إلي القاهرة ليتعاقد معها علي الحفلة كان هذا قبل وقوع النكسة فلم تكن ام كلثوم متحمسة للحفلة ثم حدثت النكسة وجاء صاحب المسرح ليعتذر لها عن الحفلة قائلا انه يخشي عليها لانها لن تسطيع ان تغني في جو الدعاية الإسرائلية المسمومة  وهنا أصرت أم كلثوم علي أن تذهب إلي باريس لتغني قائلة :
أن هناك عقد بيني وبينك ويجب أن ننفذ العقد .. وفعلا سافرت أم كلثوم وكانت حفلة من حفلات المجد حققت الكثير من المجد السياسي لمصر 

·      حمامة سلام ..!!
و بالنسبة لمشاكل العائلة ماذا كان موقفها ؟
كنت مستشاراً لها في مشاكل العائلة  نناقشها ونصل الي احسن الحلول

·      واي نوع من المشاكل كانت ؟
مشكلة اخ تخاصم مع اخوه او اخته وكانت تقوم بدور حمامة السلام فالكل يحترم رأيها والكل يحبها فقد ميزتها انها لا تخص احد دون الاخر توزع علينا الحب والود بالتساوي
·      وبالنسبة لمشاكل ابناء بلدها ؟
كانوا يأتون اليها وكانت تحرص علي مقابلة كل فرد منهم توزع عليهم الهدايا في المناسبات وتوزع عليهم الكسوة في المواسم وكانت تخصص مرتبات شهرية للكثير منهم اما مشاكل البلد نفسها فتوليها الي العمدة الذي هو قريب لنا وكنت احيانا اتعجب لهذه المقدرة الخارقة  وافكر كثيرا فنحن كبشر قد تشغلنا مشكلة الي حد لا نستطيع ان نفكر في سوي فيها اما هي كانت تفكر في كل المشاكل وتشغلها مشاكل كبيرة لا حصر لها فكانت تخص كل مشكلة بالاهتمام والرعاية
كانت تهتم جدا بقضية مصر وكانت شغلها الشاغل وكانت يهمها جدا مشاكل الفن والفنانين وكانت تهتم بمشاكل الناس والاسرة وهي حريصة في ذلك كل الحرص الا تضايق احد
وفي نهاية حديث محمد الدسوقي يقول : في رأيي ان ام كلثوم كانت بزيارتها للبلاد العربية تودع اخواننا العرب الذين احبوهما واحبتهم و قد ودعت ام كلثوم مسرحها عندما وقفت عليه لتقول لاخرة مرة : دعاني لبيته لحد باب بيته
لقد عاشت ام كلثوم عظيمة و ماتت عظيمة  ..!!



حوار نشر في مجلة اخر ساعة في 12 مارس 1975 في اربعين أم كلثوم