Tuesday, July 26, 2011

تحقيق عن زيارة أم كلثوم لباريس في نوفمبر 1967


تحقيق عن زيارةأم كلثوم لباريس في نوفمبر 1967 من خلال المصادرالفرنسية

أم كلثوم وبرينوكوكاتريكس مدير صالة الأولمبيا بباريس
حسب المصادر الفرنسية وزير الثقافة المصري كان عراب الزيارة التاريخية ؛
الزيارة برمجت قبل يونيو 1967 لذا من الخطإ ربطها بدعم المجهود الحربي ؛
المفاوضات بين الطرفين كانت مرطونية ودامت قرابة سنتين توجت بتوقيع عقد نالت على إثره أم كلثوم أعلى أجر يناله فنان عالمي من الأولمبيا حتى ذلك التاريخ .

يعتقد كثيرون أن زيارة أم كلثوم لباريس وحفلتيها الشهيرتين بصالة الأولمبيا الأسطورية ، جاءت في سياق نكسة يونيو 1967 وإعلانها المساهمة في دعم المجهود الحربي بالغناء في جميع أقطار العالم ، وقد روّجت كثير من المصادر لهذه الفكرة التي ترسخت في أذهان الجمهور العريض بعدما شهدوها في سياق أحداث مسلسل أم كلثوم الشهير، والحقيقة أن اللوبي الصهيوني القوي في فرنسا والذي طالت أياديه مؤسسات أكبر من الأولمبيا لم يكن ليسمح بعمل دعائي كبيرللقضية العربية من شخصية كبيرة بحجم شعبية أم كلثوم ، فأشهر قبل مجيء أم كلثوم إلى باريس وعقب إعلان وقف إطلاق النار أواسط شهر يونيو 1967 ، أقام يهود فرنسا احتفالات كبرى بالنصر المسروق بحي بلفيل بباريس فثارت حمية الشباب العربي بباريس الذين هاجموا المحتفلين اليهود ووقعت مواجهات دامية تدخلت على إثرها الشرطة الفرنسية وظهر الرئيس الفرنسي شارل دوكول في التلفزيون مطالبا الجميع باحترام قيم الجمهورية الفرنسية ، لذا لم يكن الجو العام في فرنسا مهيّأ لاستقبال الست في نوفمبر 1967 .
عن الظروف والملابسات التي جاءت فيهما الزيارة التاريخية ، يحكي برينو كوكاتريكس (1914-1979 ) مالك ومدير صالة الأولمبيا أن مؤسسته انتهجت ابتداء من أواسط الستينات سياسة الانفتاح على موسيقى العالم تحقيقا للتنوع ، وحدث أن زار كوكاتريكس في أوائل عام 1966 القاهرة للسياحة ، وبالصدفة قُدم لوزير الثقافة المصري آنذاك ولعله الدكتور ثروت عكاشة فتحدثا عن الأولمبيا والأبعاد التي أصبحت تحتلها في الترويج للفن الراقي في العالم ، فبادر الوزير المتعهد الكبير لماذا لا تدرجون أم كلثوم في برنامجكم في الأولمبيا ؟ فوجيء كوكاتريكس بالطلب فأخذ يستعلم عن أم كلثوم من محاوره فعلم أنها أكبر صوت عربي على قيد الحياة وأن إجماع العرب منعقد على حب وتقدير فنها ، ولما كان كوكاتريكس موسيقيا مرهف الحس فقد استمع لبعض أسطوانتها فاكتشف القدرات الخارقة لهذا الصوت الجبار، فعزم على تنفيذ فكرة الوزير وعاود الاتصال به وسأله عن إمكانية موافقتها على العرض فطمأنه الوزير أن ذلك سيتم تحث ضمانته ، فبدأت المفاوضات التي استغرقت حسب كوكاتريكس قرابة سنتين ، اتفقا على الخطوط العريضة لكن مسألة الأجر ظلت حاجزا بين الطرفين ؛ فقد طالبت أم كلثوم بأجر قال عنه كوكاتريكس أنه أجر لم يدفع نظير له لأي فنان عالمي حتى ذلك التاريخ ، اشتكى كوكاتريكس لصديقه الوزير مبالغة أم كلثوم في الأجرولعله كان ينتظر أن يضغط عليها لتخفيض الأجر سيما أنه مسؤول حكومي رفيع وكانت المفاجأة أن الوزيرانتصر لموقف أم كلثوم وقال لكوكاتريكس وقّع وستكون الرابح ؛ ستسترد أموالك مع ربح وفير، وكانت تطمينات الوزيرحافزا لكوكاتريكس للذهاب بعيدا في المفاوضات ، فبعث مبعوثه الشخصي للقاهرة واسمه جون ميشيل هرين الذي عاد إلى باريس وعندما لقي كوكاتريكس بادره بحبور لقد وقعت مع أم كلثوم ، ولم تتسرب معلومات كثيرة عن المفاوضات ، إلا أن كل ما وصلنا من الطرف الفرنسي أن أم كلثوم حصلت على أعلى أجر يحصل عليه فنان عالمي من الاولمبيا حتى نوفمبر 1967 لذلك اضطرت الاولمبيا لتحقيق المردودية التجارية للحفلتين إلى مضاعفة ثمن التذاكر التي كانت تباع عادة في ذلك التاريح بين 30 إلى 50 فرنكا فرنسيا وقفزت مع أم كلثوم إلى 300 فرنك، ومما اشترطه الطرف الفرنسي أن تقام الحفلتان في ليلتين متواليتين إلا أن أم كلثوم رفضت الاقتراح لأنها لم تعتد أن تغني لليلتين متواليتين دون أن يفصل بينهما يوم راحة ، اتفق أيضا على عدد أفراد فرقة الست ومرافقيها وكانوا 39 ، ضرب الجميع موعدا في 10 نونبر لكن السيدة أضافت شرطا جديدا يوم الوصول لم يرق كوكاتريكس




الوصول إلى باريس والاستقبال
ضعف كبير في الإقبال على تذاكر حفلتي الأولمبيا مرده عدم تصديق الجالية العربية حضور أم كلثوم إلى باريس ؛
أم كلثوم تشترط أن تنزل طائرتها بمطار صغير في ضاحية باريس وكوكاتريس يغتاظ من الست ويتخوف من الفشل الذريع لحفلات مكلفة .

الست تتفقد الدعاية في شوارع باريس
قبل وصول السيدة أم كلثوم بمدة مبكرة بدأت الأولمبيا الدعاية للحفلتين ، إلا أن الإقبال
 على التذاكر كان ضعيفا جدا ، كان برينو كوكاتريكس يعلم جيدا أن المستهدف الأول هم أفراد الجالية العربية المقيمة بباريس وكانوا آنذاك في حدود نصف مليون نسمة ، فالتجأ إلى نقط بيع متحركة جابت المعامل وأوراش البناء وأحياء الضحية الباريسية ومقاهي حي باربيس دون نتيجة ، لم يكن العرب يصدقون أن أم كلثوم ستأتي إلى باريس ، ويحكي كوكاتريكس أنه كان يقول لهم في لازمته الدعائية أم كلثوم في شارع Capucines وكانوا يتندرون بالرد آه يا عيني
في غضون كل ذلك روي عن كوكاتريكس في برنامج عن تاريخ الأولمبيا أذاعته إذاعة 
فرنساFrance Inter منذ سنوات أن أم كلثوم كان من المفروض أن تصل طائرتها الخاصة إلى مطار أورلي الدولي حيث تنزل عادة الرحلات الدولية ، إلا أنها اشترطت أن تنزل بمطار صغير بالضاحية الباريسية اسمه مطار لوبورجي Aéroport LE BOURGET
حاول كوكاتريكس ثنيها عن هذا الطلب دون نتيجة وأمام إصرارها الشديد لم يكن أمامه إلا أن يستجيب ، فذهب يصارع الزمن للحصول على الرخص اللازمة من المسؤولين قصد السماح بنزول رحلة دولية في مطار صغير، ويحكي أنه وهو يحاول الحصول على التراخيص كان مغتاظا من الست أشدّ الغيظ وكان يقول في نفسه حصلت على أجر خيالي ولم أبع أية تذاكر وتسوق علي دلع فنانين ، ويحكي كوكاتريكس أيضا أنه وجد صعوبة بالغة في العثور على فريق تلفزيوني يقبل الذهاب إلى مطار لوبرجي لتغطية وصول أم كلثوم ، كانت خواطر كثيرة سوداء تجول في ذهن كوكاتريس وحكى لاحقا قبيل وفاته أنه لم يسبق له طيلة مسيرته الطويلة كمتعهد حفلات أن أحس أنه كان قريبا من حافة الإفلاس مثلما أحس ذلك في صفقة أم كلثوم فعند وصولها كانت نسبة التذاكر المبيعة ضعيفة جدا مقارنة مع ضخامة الأجر الذي تقاضته الست ، لكن الاستقبال الحار الذي خصت به الجالية العربية أم كلثوم بدد جزءا من مخاوف كوكاتريكس

الاستعدادات للحفلة الأولى


أم كلثوم وبرينوكوكاتريكس مدير صالة الأولمبيا بباريس
كوكاتريكس كاد يستلقي من الضحك حين علم أن أم كلثوم ستقدم ثلاث أغان فقط ؛
بعد الكساد جاءت حمى التسابق على شباك التذاكر
جسر جوي بين باريس والشرق الأوسط ومغتربي دول الجوار حلوا بفرنسا لحضور حفلة الست والفرنسيون حجزوا ربع التذاكر رغم حاجز اللغة

استقرت أم كلثوم بباريس في فندق جورج الخامس القريب من جادة الشنزيليزيه الشهيرة وهو بلاص من أربعة نجوم يرتاده كبار نجوم العالم الذين يزورون باريس، وللإشارة فقط انتقلت ملكية هذا الفندق الأسطوري اليوم إلى العرب في شخص الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال .
ثم كان أول لقاء عمل بين كوكاتريكس والسيدة أم كلثوم للإعداد لترتيبات الحفل الأول ، سأل كوكاتريكس أم كلثوم كم أغنية ستقدم في الحفلة الأولى ؟ فأجابت أنها اعتادت تقديم ثلاث أغان في الحفلة الواحدة وأعاد عليها السؤال كم ؟ فأجابت ثلاث فكاد يستلقي على ظهره من الضحك ، كان سوء الفهم نابعا من أن كوكاتريكس اعتاد من المطربين الفرنسيين والعالميين الذين يمرون بالأولمبيا أن يقدموا أغاني تتراوح مدتها بين ثلاث وعشر دقائق ولذلك كان لا يتصور أن تملأ ثلاث أغان برنامج سهرة مسائية كاملة ثم اعتذر بعد أن علم أن كل وصلة من وصلات أم كلثوم تتراوح مدتها بين الساعة والساعة والنصف .
بدأت مشاكل الإقبال على التذاكر تحل شيئا فشيئا ، يحكي كوكاتريكس أن مرور خبر زيارة أم كلثوم في التلفزيون الفرنسي غير كل شيء ، فبعد ضعف الإقبال على اقتناء التذاكر جاء ما شبهه كوكاتريكس بحمى التسابق على الذهب ، وقد زاد من ذلك عوامل كثيرة : فقد انضم لعرب فرنسا المغتربون العرب ببلجيكا وألمانيا وهولندا وبعض الدول السكندنافية الذين عبروا إلى باريس في رحلات مكوكية ، وقوّى من الإقبال على التذاكر القادمون من الدول العربية خصوصا الشرق الأوسط والخليج العربي وانتظمت لهذا الغرض جسور جوية بين دول الشرق الأوسط وباريس ، وحجز الفرنسيون أنفسهم نسبة مهمة من التذاكر فقد قدرت نسبة حضورهم في الحفلتين ب 20 % ، نتج عن كل ذلك أن نفذت أغلب التذاكر وارتفعت أثمانها في السوق السوداء لتصل إلى 2000 فرنك فرنسي بعد أن بيعت في شباك التذاكر ب 300 فرنك فقط ، كانت كل الدلائل تشير إلى أن حفلتي أم كلثوم ستعرفان إقبالا منقطع النظير.

وكلات الأنباء الفرنسية حول السيدة أم كلثوم قبل الحفلة الأولي 


في عددها الصادربتاريخ 12 نوفمبر 1967
لوموند جريدة فرنسا الأولى 

تحتفي بمقدم السيدة أم كلثوم لباريس بمقالة شاعرية :
أم كلثوم في باريس
Oum Kalsoum à Paris

ها قد حلت بيننا تلك التي يسمونها في القاهرة بالست « السيدة » . هي ثروة ، أزلية ، صوت مخملي من حرير، منارة فرعونية إنها أم كلثوم المصرية .كيف نعبرعمن تكون ؟ كيف نقيس في الغرب قيمة أم كلثوم ؟ أنعتبرها ماريا كلاس التي هي في نفس الوقت إديث بياف ؟ هذا قليل بالنسبة إليها أحرى أن تقارن بما تمثله بيسي سميت بالنسبة للسود الأمريكان .
سنكتشف إذا البعد المزدوج في عبقرية أم كلثوم المتمثل في سلطة الأمومة الحريصة على تقاليد المجموعة وقيم القبيلة وعنفوان الإبداع الدائم الذي لا ينضب.
وعلى غرار المغنية السوداء بيسي سميت عرفت أم كلثوم كيف تخلق تنويعات في طبقاتها الصوتية بأداء من الاربيسك بحيث يأخذ كل شيء معها معناه ، فهل نتحدث هنا عن الغناء أم عن الطرب ؟ 
تمسك أم كلثوم الموضوع الذي يقترحه عليها شاعرها المفضل أحمد رامي تطوّره وتغيّر فيه ثم تبعثه ، فلا يوجد عندئذ مستمع عربي إلا ووقع تحث أسر النشوة والإعجاب ، سلطتها لانظير لها وبقليل يمكن أن تنافس سلطة الدولة لكن أم كلثوم لم تصطدم قط مع نظام الحكم القائم .
مساء كل خميس يسارع الموظفون والعمال لإنهاء أشغالهم والدخول إلى مساكنهم حتى لايفوتهم بث حفلة أم كلثوم ، هذه الفلاحة الصغيرة التي تعلمت أصول فنها بترديد القرآن الكريم تثبّت أقدامها في الغناء قبل صعود فاروق على العرش ، وعلى امتداد سنوات طويلة لم يكن ضباط مجلس قيادة الثورة وعلى رأسهم عبد الناصر يتخلفون عن حفلتها مساء كل خميس وكنا نشاهدهم مصطفين في الصف الأول بكل وقار.
واليوم لم يعد الرئيس عبد الناصر يواظب على حضور حفلاتها كما في السابق ، خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت أم كلثوم تتقاسم الظهور على شاشة التلفاز مع عبد الناصر لتحث الشعب للتصويت للقومية العربية ولرئيسها ، في مساء 9 يونيو الماضي حين أعلن تلفزيون القاهرة تراجع الرئيس عن قراره بالتنحي تحت ضغط المطالبات الشعبية كانت أغنية لأم كلثوم هي التي سبقت الإعلان الرسمي .
فهل سيستمتع جمهور الأولمبيا بدقة أدائها الساحرلأنغام الربع تون ؟ بهذا التطريب شبه الأسطوري ؟ بهذا الصوت الجبارالذي دخل التاريخ في زماننا ؟
في جميع الأحوال ،فإن الجمهور بسماعه أم كلثوم ، سيستمع إلى صوت طبع مخيلة أمة على مدار نصف قرن

في المقال القادم 
أجواء الحفلة الأولى الاثنين 13 نوفمبر 1967 صالة الأولمبيا باريس
 الذين ذهبوا لسماع أم كلثوم شهدوا قداسا دينيا 
جريدة فرنس سوار

العمال بجانب السفراء وأمراء الأسرة الحاكمة بالسعودية في الصف الأول وأعضاء 
من الأسرة المالكة بالمغرب في القاعة وأنباء عن حضور ملك الأردن متنكرا 

   شكر خاص لمنتدي سماعي علي ما يقدمه من معلومات وخصوصاً السيد أبو الياس من المغرب صاحب الفضل الأكبر في كتابة التحقيق في زيارة باريس

1 comment:

  1. مقالة اكثر من رائعة اضافت لى الكثير رغم عدم كونى من معجبين ام كلثوم لكن افتخر ان تصل مطربة مصرية إلى هذه المكانة

    ReplyDelete